إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
فاسألوا أهل الذكر
3951 مشاهدة
على المفتي أن يفتي بما يعلم

فنقول: إن سلف الأمة وعلماءها وأئمتها لا يقولون إلا ما يعلمون، ولا يفتون إلا بما فتح الله عليهم، وإنهم إذا أشكل عليهم أمر من الأمور لم يكن عندهم فيه دليل؛ فإنهم يتوقفون إلى أن يفتح الله -تعالى- عليهم، وإلى أن يترجح عندهم أحد الاحتمالين أو أحد الدليلين.
وإذا كان كذلك فإن على المسلم أن يكون متورعا عن أن يقول على الله بغير علم، وعن أن يكذب على الله -تعالى- فيقول عليه: هذا حلال وهذا حرام، وذلك من الافتراء على الله؛ حيث إن كثيرا في هذه الأزمنة يتسرعون، فيفتون بغير علم، ويقولون على الله، ويتخرصون في دين الله، وليسوا أهلا لذلك، وهذا من أكبر الخطر. قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ .
يقول العلماء: إن الله رتب المحرمات في هذه الآية، وجعلها أربعة أقسام؛ بدأ بأسهلها بقوله: حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ يعني أن الفواحش محرمة، ومع ذلك فهي أهون خطرا مما بعدها، ثم قال: وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ .
الإثم والبغي بغير الحق أكبر من الفواحش؛ وذلك لأنه يترتب عليه ظلم، ويترتب عليه قتل، ويترتب عليه اعتداء على حقوق المسلمين، ثم بعد ذلك قال: وَأَنْ تُشْرِكُوا والشرك أكبر من الإثم والبغي، وذلك لأنه لا يُغفَر.
ثم قال بعد ذلك: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ والقول على الله بغير علم أكبر من الشرك؛ وذلك لأن الذي يتقول على الله، والذي يتخرص في الفتوى، ويتخرص في الدين؛ ذلك لأنه نصب نفسه مشرعا؛ جعل نفسه بمنزلة الرب الذي يأمر وينهى، ويحلل ويحرم، ويفتري على الله، ويقول عليه ما لم يقله، فيكون ذنبه أكبر من غيره؛ حتى أنه أكبر من الشرك؛ فلذلك قال: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ .
وكان كثير من العلماء -رحمهم الله- يتورعون إذا سُئلوا؛ مع أنهم أهل أن يجيبوا؛ يُسألون عن مسائل عادية فيتورعون عن الجواب فيها.
ذكروا أن الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة الذي تشد إليه الرحال، والذي هو عالم المدينة في زمانه، توفي سنة مائة وتسع وسبعين. جاءه رجل من بلاد بعيدة، ومعه أربعون مسألة يسأله عنها، فأجابه عن أربع مسائل، وتوقف في ست وثلاثين؛ فقال: أيها الإمام قد سافرت لك من بلاد بعيدة؛ قطعت مسيرة شهر أو أكثر، فكيف أرجع وأنا لم أحمل جوابا لهذه المسائل التي أشكلت عليَّ؟
فقال: لا أقدر أن أقول فيها بغير علم؛ أخشى أن يكذبني الله.
وكان كثير -أيضا- من العلماء يتوقفون في المسائل التي ليس عندهم علم بها؛ وذلك لقول الله تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ .
الذين يتخرصون ويقولون بغير علم، ويحلون ويحرمون، ويفتون وهم ليسوا أهلا للفتوى؛ فيفتون بحسب أهوائهم؛ يدخلون في هذا الوعيد وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ أي: لا تتخرصوا في دين الله؛ فتحللون بحسب أهوائكم، وتحرمون بحسب ما تهوونه؛ فتكونون بذلك من الكاذبين؛ تفترون على الله الكذب.
وقال الله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا جعلتم حراما وحلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ لا شك أن هذا افتراء على الله، الذين يتخرصون في الدين، ويحللون ويحرمون.
ولقد كان علماء الأمة -رحمهم الله- يتوقفون عن كثير من المسائل؛ مع أن في إمكانهم أن يبحثوا، وأن يعلموا حكمها؛ ولكن يخشون الخطأ فيها، فيترادون؛ حتى ذُكر أن جماعة من الصحابة سُئل أحدهم فقال: يا فلان اذهب إلى فلان يفتيك، فذهب إليه فقال: اذهب إلى فلان يفتيك، وهكذا حتى دار على عشرة، ثم رجع إلى الأول؛ كل واحد يحيله على الآخر؛ ذلك من الورع أن يفتي بغير علم؛ مخافة أن يتحمل ذلك الخطأ، أن يتحمل الخطأ فيكون ممن قال على الله بغير علم، فيدخل في ذلك الوعيد.
وكثيرا ما يتوقف أحدهم فيقول: الله أعلم، أو لا أدري، ويقولون: من أخطأ لا أدري أصيبت مقاتله.
فيجب على من ليس عنده علم بالأحكام أن يقول: الله أعلم، يقول بعضهم:
وقـل إذا أعيــاك ذاك الأمــر
مـا لي بمـا تسـأل عنـه خِبْر
فـذاك شـطر العلـم فاعلمنـه
واحـذر هـديت أن تزيـغ عنـه
أي أن كلمة الله أعلم شطر العلم؛ يعني: لو علم ما علم فإنه قد يكون عليه نقص.
وليـس كـل العلـم قد حويتـه
أجـل ولا العشـر ولـو أحصيته
ما حصلت على عشر العلوم، وما فاتك منه فهو أكثر.
وإذا كان كذلك فإن على المسلم أن يتورع عن أن يقول على الله، وأن يتخرص في دين الله؛ فيعاقبه الله -تعالى- ويلحقه ذلك الإثم؛ إثم من أفتاه.
ورد في حديث: من أُفتي بغير ثبْت فإنما إثمه على من أفتاه يعني من حصلت له فتوى، وتلك الفتوى ليست ثابتة وليست صحيحة فالإثم على ذلك الذي أفتاه بغير علم؛ حيث إنه تَقَوَّلَ وتخرص في دين الله.
وقد ذم الله الذين يظنون بقولهم: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ فأخبر بأن الظن الذي هو تخرص أنه من أكبر الإثم؛ كما قال الله تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا الظن والخرص في كتاب الله -تعالى- أو في شرعه لا يغني من الحق شيئا، فمن لم يكن عنده دليل، ولم يكن عنده علم؛ فعليه أن يتوقف عن الفتيا، وأن يرد الأمر إلى أهله.